قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الكفار وضعوا القيود في أرجلهما ووكلوا بهما من يحرسهما في المبيت ، فصارا يتأسفان ويقولان لبعضهما : إن الاعتراض على الصالحين يؤدي إلى أكثر من ذلك وجزاؤنا ما حل بنا من الضيق الذي نحن فيه . هذا ما كان من أمر ضوء المكان والوزير دندان . وأما ما كان من أمر الملك شركان فإنه بات تلك الليلة فلما أصبح الصباح قام وصلى صلاة الصبح ثم نهض هو ومن معه من العساكر وتأهبوا إلى قتال الكفار وقوى قلوبهم شركان ووعدهم بكل خير ثم ساروا إلى أن وصلوا إلى الكفار فلما رآهم الكفار من بعيد قالوا لهم : يا مسلمين إنا أسرنا سلطانكم ووزيره الذي به انتظام أمركم وإن لم ترجعوا عن قتالنا قتلناكم عن آخركم وإذا سلمتم لنا أنفسكم فإننا نروح بكم إلى ملكنا فيصالحكم على أن تخرجوا من بلادنا وتذهبوا إلى بلادكم ولا تضرونا بشيء ولا نضركم بشيء فإن طاب خاطركم كان الحظ لكم وإن أبيتم فما يكون إلا قتلكم وقد عرفناكم وهذا آخر كلامنا . فلما سمع شركان كلامهم وتحقق أسر أخيه والوزير دندان عظم عليه وبكى وضعفت قوته وأيقن بالهلاك وقال في نفسه : يا ترى ما سبب أسرهما ؟ هل حصل منهما إساءة أدب في حق الزاهد واعتراض عليه ؟ وما شأنهما ؟ ثم نهضوا إلى قتال الكفار فقتلوا منهم خلقاً كثيراً وتبين في ذلك اليوم الشجاع من الجبان واختضب السيف والسنان وتهافتت عليهم الكفار تهافت الذباب على الشراب من كل مكان وما زال شركان ومن معه يقاتلون قتال من لا يخاف الموت ولا يعتريه في طلب الفرصة قوت حتى سال الوادي بالدماء وامتلأت الأرض بالقتلى . فلما أقبل الليل تفرقت الجيوش وكل من الفريقين ذهب إلى مكانه وعاد المسلمون إلى تلك المغارة ولم يبق منهم إلا القليل ولم يكن منهم إلا على الله والله عليه كل تعويل وقد قتل منهم في هذا النهار خمسة وثلاثون فارساً من الأمراء والأعيان وإن من قتل بسيفهم من الكفار آلاف من الرجال والركبان فلما عاين شركان ذلك ضاق عليه الأمر وقال لأصحابه : كيف العمل ؟ فقال له أصحابه : لا يكون إلا ما يريده الله تعالى . فلما كان ثاني يوم قال شركان لبقية العسكر : إن خرجتم للقتال ما بقي منكم أحد لأنه لم يبق عندنا إلا قليل من الماء والزاد والرأي الذي عندي فيه الرشاد أن تجردوا سيوفكم وتخرجوا وتقفوا على باب تلك المغارة لأجل أن تدفعوا عن أنفسكم كل من يدخل عليكم فلعل الزاهد أن يكون وصل إلى عسكر المسلمين ويأتينا بعشرة آلاف فارس فيعينون على قتال الكفرة ولعل الكفار لم ينظروه هو ومن معه . فقال له أصحابه : إن هذا الرأي هو الصواب وما في سداده ارتياب . ثم إن العسكر خرجوا وملكوا باب المغارة ووقفوا في طرفيه وكل من أراد أن يدخل عليهم من الكفار يقتلوه وصاروا يدفعون الكفار عن الباب وصبروا على قتال الكفار إلى أن ذهب النهار وأقبل الليل بالاعتكار .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .