قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أن الكفار لما رأوا لوقا بن شملوط وقع مقتولاً لطموا على وجوههم واستغاثوا ببطارقة الديور وقالوا : أين الصلبان وتزهد الرهبان ؟ ثم اجتمعوا جميعاً عليه وأعملوا الصوارم والرماح وهجموا للحرب والكفاح والتقت العساكر بالعساكر وصارت الصدور تحت وقع الحوافر وتحكمت الرماح والصوارم وضعفت السواعد والمعاصم وكان الخيل خلقت بلا قوائم ولا زال منادي الحرب ينادي إلى أن كلت الأيادي وذهب النهار وأقبل الليل بالاعتكار وافترق الجيشان وصار كل شجاع كالسكران من شدة الضرب والطعان وقد امتلأت الأرض بالقتلى وعظمت الجراحات وصار لا يعرف الجريح ممن مات . ثم إن شركان اجتمع بأخيه ضوء المكان والحاجب والوزير دندان ، فقال شركان لأخيه ضوء المكان والحاجب : إن الله قد فتح باباً لهلاك الكافرين والحمد لله رب العالمين . فقال ضوء المكان لأخيه : لم نزل نحمد الله لكشف الحرب عن العرب والعجم وسوف تتحدث الناس جيلاً بعد جيل بما صنعت باللعين لوقا محرف الإنجيل وأخذك الحربة من الهواء وضربك لعدو الله بين الورى ويبقى حديثك إلى آخر الزمان . ثم قال شركان : أيها الحاجب الكبير والمقدام الخطير . فأجابه بالتلبية فقال له : خذ معك الوزير دندان وعشرين ألف فارس وسر بهم إلى ناحية البحر مقدار سبعة فراسخ وأسرعوا في السير حتى تكونوا قريباً من الساحل بحيث يبقى بينكم وبين القوم قدر فرسخين واختفوا في وهدات الأرض حتى تسمعوا ضجة الكفار إذا طلعوا من المراكب وتسمعوا الصياح من كل جانب وقد عملت بيننا وبينهم القواضب ، فإذا رأيتم عسكرنا تقهقروا إلى الوراء كأنهم منهزمون وجاءت الكفار زاحفة خلفهم من جميع الجهات حتى من جانب الساحل فكونا لهم بالمرصاد وإذا رأيت أنت علماً عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فارفع العلم الأخضر وصح قائلاً : الله أكبر . واحمل عليهم من ورائهم واجتهد في أن لا يحول الكفار بين المنهزمين وبين البحر . فقال : السمع والطاعة . واتفقوا على ذلك الأمر في تلك الساعة . ثم تجهزوا وساروا وقد أخذ الحاجب معه الوزير دندان وعشرين ألفاً كما أمر الملك شركان ، فلما أصبح الصباح ركب القوم وهم مجردون الصفاح ومعتلون بالرماح وحاملون السلاح وانتشرت الخلائق في الربا والبطاح وصاحت القسوس وكشفت الرؤوس ورفعت الصلبان على قلوع المراكب وقصدوا الساحل من كل جانب وأنزلوا الخيل في البر وعزموا من الكر والفر ولمعت السيوف وتوجهت الجموع وبرقت شهب الرماح على الدروع ودارت طاحون المنايا على الرجال والفرسان وطارت الرؤوس عن الأبدان وخرست الألسن وتغشت الأعين وانفطرت المرائر وعملت البواتر وطارت الجماجم وقطعت المعاصم وخاضت الخيل في الدماء وتقابضوا باللحى وصاحت عساكر الإسلام بالصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام وبالثناء على الرحمن بما أولى من الإحسان وصاحت عساكر الكفر بالثناء على الصليب والزنار والعصير والعصار والقسوس والرهبان والشعانين والمطران وتأخر ضوء المكان هو وشركان إلى ورائهما وتقهقرت الجيوش وأظهروا الانهزام للأعداء وزحفت عليهم عساكر الكفر لولهم الهزيمة وتهيئوا للطعن والضرب فاستهل أهل الإسلام قراءة أول سورة البقرة وصارت القتلى تحت أرجل الخيل مندثرة وصار منادي الروم يقول : يا عبدة المسيح وذوي الدين الصحيح يا خدام الجاثليق قد لاح لكم التوفيق ، إن عساكر الإسلام قد جنحوا إلى الفرار فلا تولوا عنهم الأدبار فمكنوا السيوف في أقفائهم ولا ترجعوا من ورائهم وإلا برئتم من المسيح بن مريم الذي في المهد تكلم . وظن أفريدون ملك القسطنطينية أن عساكر الكفار منصورة ولم يعلم أن ذلك من تدبير المسلمين صورة فارسل إلى ملك الروم يبشره بالظفر ويقول له : ما نفعنا لا غائط البطريق الأكبر لما لاحت رائحته من اللحى والشوارب بين عباد الصليب حاضر وغائب وأقسم بالمعجزات النصرانية المريمية والمياه المعمودية ، أني لا أترك على الأرض مجاهداً بالكلية وأني مصر على سوء هذه النية . وتوجه الرسول بهذا الخطاب ثم صاح على بعضهم قائلين : خذوا بثأر لوقا .
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .