قالت شهرزاد :
بلغني أيها الملك السعيد أنه عندما أقبل الليل لم يبق عند الملك شركان إلا خمسة وعشرون رجلاً لا غير فقال الكفار لبعضهم : متى تنقضي هذه الأيام فإننا قد تعبنا من قتال المسلمين . فقال بعضهم لبعض : قوموا نهجم عليهم فإنه لم يبق منهم إلا خمسة وعشرون رجلاً فإن لم نقدر عليهم نضرم عليهم النار فإن انقادوا وسلموا أنفسهم إلينا أخذناهم أسرى وإن أبوا تركناهم حطباً للنار حتى يصيروا عبرة لأولي الأبصار فلا رحم المسيح أباهم ولا جعل مستقر النصارى مثواهم . ثم إنهم حطوا الحطب على باب المغارة وأضرموا فيه النار فأيقن شركان ومن معه بالبوار فبينما هم كذلك وإذا بالبطريق الرئيس عليهم التفت إلى المشير بقتلهم وقال له : لا يكون قتلهم إلا عند الملك أفريدون لأجل أن يشفي غليله فينبغي أن نبقيهم عندنا أسارى وفي غد نسافر إلى القسطنطينية ونسلمهم إلى الملك أفريدون فيفعل بهم ما يريد . فقالوا : هذا هو الرأي الصواب . ثم أمروا بتكتيفهم وجعلوا عليهم حرساً فلما جن الظلام اشتغل الكفار باللهو والطعام ودعوا بالشراب فشربوا حتى انقلب كل منهم على قفاه وكان شركان وضوء المكان مقيدين وكذلك من معهم من الأبطال فعند ذلك نظر شركان إلى أخيه ، وقال له : يا أخي كيف الخلاص ? فقال ضوء المكان : والله لا أدري وقد صرنا كالطير في الأقفاص . فاغتاظ شركان وتنهد من شدة غيظه فانقطع الكتاف فلما خلص من الوثاق قام إلى رئيس الحراس وأخذ مفاتيح القيود من جيبه وفك ضوء المكان وفك الوزير دندان وفك بقية العسكر ثم التفت إلى أخيه ضوء المكان والوزير دندان وقال : إني أريد أن أقتل من الحراس ثلاثة ونأخذ ثيابهم ونلبسها نحن الثلاثة حتى نصير في زي الروم ، ونسير بينهم حتى لا يعرفوا أحداً منا ، ثم نتوجه إلى عسكرنا . فقال ضوء المكان : إن هذا الرأي غير صواب لأننا إذا قتلناهم نخاف أن يسمع أحد شخيرهم فتنتبه إلينا الكفار فيقتلوننا والرأي السديد أن نسير إلى خارج الشعب . فأجابوه إلى ذلك فلما صاروا بعيداً عن الشعب بقليل رأوا خيلاً مربوطة وأصحابها نائمون فقال شركان لأخيه : ينبغي أن يأخذ كل واحد منا جواداً من هذه الخيول . وكانوا خمسة وعشرين رجلاً فأخذوا خمسة وعشرين جواداً ، وقد ألقى الله النوم على الكفار لحكمة يعلمها الله . ثم إن شركان جعل يختلس من الكفار السلاح من السيوف والرماح ، حتى اكتفوا ثم ركبوا الخيل التي أخذوها وساروا ، وكان في ظن الكفار أنه لا يقدر أحد على فكاك ضوء المكان وأخيه ومن معهما من العساكر وأنهم لا يقدرون على الهروب فلما خلصوا جميعاً من الأسر وصاروا في أمن من الكفار التفت إليهم شركان وقال لهم : لا تخافوا حيث سترنا الله ولكن عندي رأي ولعله صواب . فقالوا : وما هو ؟ قال : أريد أن تطلعوا فريق الجبل وتكبروا كلكم تكبيرة واحدة وتقولوا : لقد جاءتكم العساكر الإسلامية . ونصيح كلنا صيحة واحدة ونقول : الله أكبر . فيفترق الجمع من ذلك ولا يجدون لهم في هذا الوقت حيلة فإنهم يسكنون ويظنون أن عسكر المسلمين أحاطوهم من كل جانب ، واختلطوا بهم فيقعون ضرباً بالسيف في بعضهم من دهشة السكر والنوم فنقطعهم بسيوفهم ويدور السيف فيهم إلى الصباح . فقال ضوء المكان : إن هذا الرأي غير صواب علينا أن نسير إلى عسكرنا ولا ننطق بكلمة لأننا إن كبرنا تنبهوا لنا ولحقونا فلم يسلم منا أحد . فقال شركان : والله لو انتبهوا لنا ما علينا بأس وأشتهي أن توافقونني على هذا الرأي وهو لا يكون الأخير . فأجابوه إلى ذلك وطلعوا إلى فوق الجبل وصاحوا بالتكبير ، فكبرت معه الجبال والأشجار والأحجار من خشية الله تعالى فسمع الكفار ذلك التكبير فصاح الكفار صيحة مزعجة .