قالت: بلغني أيها الملك السعيد أنه كان بالبصرة ملك من الملوك يحب الفقراء والصعاليك ويرفق بالرعية ويهب من ماله لمن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وكان يقال لهذا الملك محمد بن سليمان الزيني وكان له وزيران أحدهما يقال له المعين ابن سا وي والثاني يقال له الفضل بن خاقان وكان الفضل ابن خاقان أكرم أهل زمانه حسن السيرة أجمعت القلوب على محبته، واتفقت العقلاء على مشورته وكل الناس يدعون له بطول مدته لنه محضر خير مزيل الشر والضير وكان الوزير معين بن ساوي يكره الناس ولا يحب الخير وكان محضر سوء، وكان الناس على قدر محبتهم لفضل الدين ابن خاقان يبغضون المعين بن ساوي بقدرة القادر ثم إن الملك محمد بن سليمان الزيني كان قاعداً يوماً من الأيام على كرسي مملكته وحوله أرباب دولته إذ نادى وزيره الفضل بن خاقان وقال له: إني أريد جارية لا يكون في زمانها أحسن منها بحيث تكون كاملة في الجمال، فائقة في الاعتدال حميدة الخصال فقال أرباب الدولة: هذه لا توجد إلا بعشرة آلاف دينار. فعند ذلك صاح السلطان على الخازندار وقال: احمل عشرة آلاف دينار، إلى جار الفضل بن خاقان فامتثل الخازندار أمر السلطان ونزل الوزير بعدما أمره السلطان أن يعمد إلى السوق في كل يوم ويوصي السماسرة على ما ذكره وأنه لا تباع جارية ثمنها فوق الألف دينار حتى تعرض على الوزير فلم تبع السماسرة جارية حتى يعرضوها عليه فامتثل الوزير أمره، واستمر على هذا الحال مدة من الزمان ولم تعجبه جارية فاتفق يوماً من الأيام أن بعض السماسرة أقبل على دار الوزير الفضل بن خاقان فوجده راكباً متوجهاً إلى قصر الملك فقبض على ركابه وأنشد هذين البيتين:
يا من أعاد رميم الملك منـشـوراً | أنت الوزير الذي لا زال منصوراً | أحييت ما مات بين الناس من كرم | لا زال سعيك عند الله مشكـورا |
ثم قال: يا سيدي إن الجارية التي صدر بطلبها المرسوم الكريم قد حضرت فقال له الوزيرعلي بها فغاب ساعة ثم حضر ومعه جارية رشيقة القد قاعدة النهد بطرف كحيل وخد أسيل وخصر نحيل وردف ثقيل وعليها أحسن ما يكون من الثياب ورضابها أحلى من الجلاب وقامتها تفضح غصون البان وكلامها أرق من النسيم إذا مر على زهر البستان كما قال فيها بعض واصفيها هذه الأبيات: لها بشر مثل الحرير ومنـطـق رخيم الحواشي لا هراء ولا نزر وعينان قال الله كونا فـكـانـتـا فعولان بالألباب ما تفعل الخمر فيا حبها زدني جوى كـل لـيلة ويا سلوة الأيام موعدك الحشـر ذوائبها ليل ولكـن جـبـينـهـا إذا أسفرت يوم يلوح به الفجـر فلما رآها الوزير أعجبته غاية الإعجاب فالتفت إلى السمسار وقال له: كم ثمن هذه الجارية؟ فقال: وقف سعرها على عشرة آلاف دينار وحلف صاحبها أن العشرة آلاف دينار لم تجيء ثمن الفراريج التي أكلتها ولا ثمن الخلع التي خلعتها على معلميها فإنها تعلمت الخط والنحو واللغة والتفسير وأصول الفقه والدين والطب والتقويم والضر بالآلات المطربة، فقال الوزير علي بسيدها فأحضره السمسار في الوقت والساعة فإذا هو رجل أعجمي عاش زمناً طويلاً حتى صيره الدهر عظماً في جلد. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.