وحكايات عربية اُخرى
{
}
 
الصفحة الرئيسية > ألف ليلة وليلة > في الليلة الرابعة والعشرون

الحكاية السابقة : وفي الليلة الثالثة والعشرون


في الليلة الرابعة والعشرون

قالت بلغني أيها الملك السعيد أن الوزير أخذ دواة وقلماً وكتب أمتعة وأن الخشخانة في موضع كذا والستارة الفلانية في موضع كذا وكتب جميع ما في البيت، ثم طوى الكتاب وأمر بخزن جميع الأمتعة وأخذ العمامة والطربوش وأخذ معه الفرجية والكيس وحفظهما عنده وأما بنت الوزير فإنها لما كملت أشهرها ولدت ولذا مثل القمر يشبه والده من الحسن والكمال والبهاء والجمال فقطعوا سرته وكحلوا مقلته وسلموه إلى المرضعات وسموه عجيباً فصار يومه بشهر وشهره بسنة، فلما مر عليه سبع سنين أعطاه جده لفقيه ووصاه أن يربيه ويحسن تربيته فأقام في المكتب أربع سنوات فصار يقاتل أهل المكتب ويسبهم ويقول لهم من منكم مثلي أنا ابن وزير مصر فقام الأولاد واجتمعوا يشكون إلى العريف ما قاسوه من عجيب. فقال لهم العريف أنا أعلمكم شيئاً تقولونه له لما يجيء فيتوب عن المجيء للمكتب وذلك أنه إذا جاء غداً فاقعدوا حوله وقولوا لبعضكم: والله ما يلعب معنا هذه اللعبة إلا من يقول لنا على اسم أمه واسم أبيه ومن لم يعرف اسم أمه واسم أبيه فهو ابن حرام فلا يلعب معنا. فلما أصبح الصباح أتوا إلى المكتب وحضر عجيب فاختلط بالأولاد وقالوا نحن نلعب لعبة ولكن ما يلعب إلا من يقول لنا عن اسم أمه واسم أبيه واتفقوا على ذلك، فقال واحد منهم اسمي ماجدي وأمي علوي وأبي عز الدين، وقال الآخر مثل قوله والآخر كذلك إلى أن جاء الدور إلى عجيب فقال:
أنا اسمي عجيب وأمي ست الحسن وأبي شمس الدين والوزير بمصر فقالوا له والله إن الوزير ما هو أبوك فقال عجيب الوزير أبي حقيقة. فعند ذلك ضحكت عليه الأولاد وصفقوا عليه وقالوا أنت ما تعرف لك أباً فقم من عندنا فلا يلعب معنا إلا من يعرف اسم أبيه. وفي الحال تفرق الأولاد من حوله وتضاحكوا عليه فضاق صدره وأنخنق بالبكاء. فقال له العريف هل تعتقد أن أباك جدك الوزير أبو أمك ست الحسن، إن أباك ما تعرفه أنت ولا نحن لأن السلطان زوجها للسائس الأحدب وجاءت الجن فناموا عندها فإن لم تعرف لك أبا يجعلونك بينهم ولد زنا ألا ترى أن ابن البائع يعرف أباه، فوزير مصر إنما هو جدك وأما أبوك فلا نعرفه نحن ولا أنت فارجع لعقلك. فلما سمع ذلك الكلام قام من ساعته ودخل على والدته ست الحسن وصار يشكو هلا وهو يبكي ومنعه البكاء من الكلام، فلما سمعت أمه كلامه وبكاءه التهب قلبها عليه وقالت له: يا ولدي ما الذي أبكاك فاحكي لي قصتك فحكى لها ما سمعه من الأولاد ومن العريف وقال يا والدتي من هو أبي قلت له أبوك وزير مصر فقال لها ليس هو أبي فلا تكذبي علي فإن الوزير أبوك أنت لا أبي أنا. من هو أبي فإن لم تخبريني بالصحيح قتلت روحي بهذا الخنجر. فلما سمعت والدته ذكر أبيه بكت لذكر ولد عمها وتذكرت محاسن حسن بدر الدين البصري وما جرى لها معه وصرخت وكذلك ولدها وإذا بالوزير دخل.

فما نظر إلى بكائها احتر قلبه وقال ما يبكيكما فأخبرتها بما اتفق لولدها مع صغار المكتب فبكى الآخر ثم تذكر أخاه وما اتفق له معه وما اتفق لابنته ولم يعلم بما في باطن الأمر. ثم قام الوزير في الحال ومشى حتى طلع إلى الديوان ودخل على الملك وأخبره بالقصة وطلب منه الإذن بالسفر إلى الشرق ليقصد مدينة البصرة ويسأل عن ابن أخيه، وطلب من السلطان أن يكتب له مراسيم لسائر البلاد إذا وجد ابن أخيه في أي موضع يأخذه، ثم بكى بين يدي السلطان فرق له قلبه وكتب مراسيم لسائر الأقاليم والبلاد ففرح بذلك ودعا للسلطان وودعه ونزل في الحال وتجهز في الحال وأخذ ما يحتاج إليه وأخذ ابنته وولدها عجيباً وسافر أول يوم وثاني يوم وثالث يوم حتى وصل إلى مدينة دمشق فوجدها ذات أشجار وأنهار كما قال الشاعر: من بعد يوم في دمشق وليلتـي حلف الزمان بمثلها لا يغلـط بتنا وجنح الليل في غفـلانـه ومن الصباح عليه فرع أشمط والظل في تلك الغصون كأنـه در يصافحه النسيم فيسـقـط والطير يقرأ والغدير صحـيفة والريح تكتب والغمام ينـقـط فنزل الوزير من ميدان الحصباء ونصب خيامه وقال لغلمانه نأخذ الراحة هنا يومين فدخل الغلمان المدينة لقضاء حوائجهم. هذا يبيع وهاذ يشتري وهذا يدخل الحمام وهذا يدخل جامع بني أمية الذي ما في الدنيا مثله ودخل المدينة عجيب هو وخادمه يتفرجان والخادم ينشي خلف عجيب وفي يده سوط لو ضرب به جملاً لسقط ولم يثر. فلما نظر أهل دمشق إلى عجيب وقده واعتداله وبهائه وكماله بديع الجمال وخيم الدلال الطف من نسيم الشمال وأحلى للظمآن من الماء الزلال وألذ من العافية لصاحب الاعتلال فلما رآه أهل دمشق تبعوه وصارت الخلق تجري وراءه تتبعه وتقعد في الطريق حتى يجيء عليهم وينظرونه إلى أن وقف عجيب بالأمر المقدر على دكان أبيه حسن بدر الدين الذي أجلسه فيه الطباخ الذي اعترف عند القضاة والشهود أنه ولده. فلما وقف عليه العبد في ذلك اليوم وقف معه الخدام، فنظر حسن بدر الدين إلى ولده فأعجبه حين وجده في غابة الحسن فحن إليه فؤاده وتعلق به قلبه وكان قد طبخ حب رمان مخلي بلوز وسكر، فأكلوا سواء فقال لهم حسن بدر الدين أنستمونا كلوا هنيئاً مريئاً ثم أن عجيب قال لوالده أقعد كل معنا لعل الله يجمعنا بمن نريد فقال عجيب نعم يا عم حرق قلبي بفراق الأحباب والحبيب الذي فارقني هو والدي، وقد خرجت أنا وجدي نطوف عليه البلاد فواحسرتاه على جمع شملي به وبكى بكاء شديداً، وبكا والده لبكائه وتذكر فرقة الأحباب وبعده عن والده ووالدته فحن له الخادم، وأكلوا جميعاً إلى أن اكتفوا. ثم بعد ذلك قاما وخرجا من دكان حسن بدر الدين فأحس أن روحه فارقت جسده وراحت معهم فما قدر أن يصير عنهم لحظة واحدة، فقفل الدكان وتبعهم وهو لا يعلم أنه ولده وأسرع في مشيه حتى لحقهم قبل أن يخرجوا من الباب الكبير فالتفت الطواشي وقال له مالك يا طباخ فقال حسن بدر الدين لما نزلتم من عندي كان روحي خرجت من جسمي ولي حاجة في المدينة خارج الباب فأردت أن أرافقكم حتى أقضي حاجتي وأرجع فغضب الطواشي وقال لعجيب أن هذه أكلة مشؤومة وصارت علينا مكرمة وهاهو تابعنا من موضع إلى موضع فالتفت عجيب فرأى الطباخ فاغتاظ واحمر وجهه وقال للخادم دعه يمشي في طريق المسلمين فإذا خرجنا إلى خيامنا وخرج معنا وعرفنا أنه يتبعنا نطرده فأطرق رأسه ومشى والخادم وراءه فتبعهم حسن بدر الدين إلى ميدان الحصباء وقد قربوا من الخيام فالتفوا ورأوه خلفهم. فغضب عجيب وخاف من الطواشي أن يخبر جده فامتزج بالغضب مخافة أن يقولوا أنه دخل دكان الطباخ وأن الطباخ منعه فالتفت حتى صار عيناه في عين أبيه وقد بقي جسداً بلا روح ورأى عجيب عينه كأنها عين خائن، وربما كان ولد زنا فازداد غضباً فأخذ حجراً وضرب به والده فوقع الحجر على جبينه فبطحه فوقع حسن بدر الدين مغشياً عليه وسال الدم على وجهه وسار عجيب هو والخادم إلى الخيام وأما حسن بدر الدين فإنه لما أفاق مسح دمه وقطع قطعة من عمامته وعصب بها رأسه ولام نفسه وقال أنا ظلمت الصبي حيث غلقت دكاني وتبعته حتى ظن أني خائن ثم رجع إلى الدكان واشتغل ببيع طعامه وصار مشتاقاً إلى والدته التي في البصرة ويبكي عليها، وأنشد هذين البيتين:

لا تسأل الدهر إنصافاً لتظلمـه فلست فيه ترى يا صاح إنصافا
خذ ما تيسر وأزوالهم نـاحـية لا بد من كدر فيه وإن صافي

ثم أن حسن بدر الدين استمر مشتغلاً يبيع طعامه وأما الوزير عمه فإنه أقام في دمشق ثلاثة أيام ثم رحل متوجهاً إلى حمص فدخلها ثم رحل عنها وصار يفتش في طريقه أينما حل وجهه في سيره إلى أن وصل إلى ماردين، والموصل وديار بكر ولم يزل سائراً إلى مدينة البصرة فدخلها فلما استقر به المنزل دخل إلى سلطانها واجتمع به فاحترمه وأكرم منزله وسأله عن سبب مجيئه فأخبره بقصته وأن أخاه الوزير علي نور الدين، فترحم عليه السلطان وقال ايها الصاحب إنه كان وزيري وكنت أحبه كثيراً وقد مات من مدة خمسة عشر عاماً وخلف ولداً وقد فقدناه ولم نطلع له على خبر غير أن أمه عندنا لأنها بنت وزيري الكبير. فلما سمع الوزير شمس الدين من الملك أن أم ابن أخيه طيبة فرح وقال يا ملك إني أريد أن أجتمع بها فإذن له في الحال، ثم أنه صار يمشي إلى أن وصل إلى قاعة زوجة أخيه أم حسن بدر الدين البصري وكانت في مدة غيبة ولدها قد لزمت البكاء والنحيب بالليل والنهار، فلما طالت عليها المدة عملت لولدها قبراً من الرخام في وسط القاعة وصارت تبكي عليه ليلاً ونهاراً، ولا تنام إلا عند ذلك القبر، فلما وصل إلى مسكنها سمع حسها فوقف خلف الباب فسمعها تنشد على القبر هذين البيتين: بالله يا قبر هل زالت محاسـنـه وهل تغير ذاك المنظر النضـر يا قبر لا أنت بستان ولا فـلـك فكيف يجمع فيك الغصن والقمر فبينما هي كذلك وإذا بالوزير شمس الدين، قد دخل عليها وسلم عليها وأعلمها أنه أخو زوجها وقد أخبرها بما جرى، وكشف لها عن القصة وأن ابنها حسن بدر الدين، بات عند ابنته ليلة كاملة، ثم طلع عليه الصباح وقال لها إن ابنتي حملت من ولدك وولدت ولداً وهو معي وإنه ولدك وولد ولدك من أبي، فلما سمعت خبر ولدها وأنه حي ورأت أخا زوجها قامت إليه ووقعت على قدميه وقبلتهما وأنشدت هذين البيتين: لله در مبشري بقدومـهـم فلقد أتى بأطايب المسموع لو كان يقنع بالخليع وهبته قلباً تقطع ساعة التـوديع ثم إن الوزير أرسل إلى عجيب ليحضره، فلما حضر قامت له جدته واعتنقته وبكت فقال لها شمس الدين ما هذا وقت بكاء بل هذا وقت تجهزك للسفر معنا إلى ديار مصر عسى الله أن يجمع شملنا وشملك بولدك ابن أخي، فقالت سمعاً وطاعة، ثم قامت من وقتها وجمعت جميع أمتعتها وذخائرها وجواريها وتجهزت في الحال ثم طلع الوزير شمس الدين إلى سلطان البصرة وودعه فبعث معه هدايا وتحفاً إلى سلطان مصر وسافر من وقته هو وزوجة أخيه ولم يزل سائراً حتى وصل إلى مدينة دمشق فنزل على القانون وضرب الخيام، وقال لمن معه إننا نقيم بدمشق جمعة إلى أن نشتري للسلطان هداياً وتحفاً ثم قال عجيب للطواشي يا غلام إني اشتقت إلى الفرجة فقم بنا ننزل إلى سوق دمشق ونعتبر أحوالها وننظر ما جرى لذاك الطباخ الذي كنا أكلنا طعامه وشججنا رأسه مع أنه قد كان أحسن إلينا ونحن أسأناه. فقال الطواشي سمعاً وطاعة ثم إن عجيباً أخرج من الخيام هو والطواشي وحركته القرابة إلى التوجه لوالده ودخل مدينة دمشق وما زالا إلى أن وصلا إلى دكان الطباخ فوجداه واقفاً في الدكان وكان ذلك قبل العصر وقد وافق الأمر أنه طبخ حب رمان فلما قربا منه ونظره عجيب حن غليه قلبه ونظر إلى أثر الضربة بالحجر في جبينه، فقال: السلام عليك يا هذا اعلم أن خاطري عندك فلما نظر إليه حسن بدر الدين تعلقت أحشاؤه به وخفق فؤاده غليه وأطرق برأسه إلى الأرض وأراد أن يدير لسانه في فمه، فما قدر على ذلك، ثم رفع رأسه إلى ولده خاضعاً متدللاً وأنشد هذه الأبيات:

تمنيت من أهوى فلـمـا رأيتـه ذهلت فلم أملك لساناً ولا طرفـا وأطرقت إجلالاً لـه ومـهـابة وحاولت إخفاء الذي بي فلم يخف وكنت معداً للعتاب صـحـائفـاً فلما اجتمعنا ما وجدت ولا حرفا

ثم قال لهما اجبرا قلبي وكلا من طعامي فو الله ما نظرت إليك أيها الغلام إلا حن قلبي إليك وما كنت تبعتك إلا وأنا بغير عقل. فقال عجيب والله إنك محب لنا ونحن أكلنا عندك لقمة فلازمتنا عقبها، وأردت أن تهتكنا ونحن لا نأكل لك أكلاً إلا بشرط أن تحلف أنك لا تخرج وراءنا ولا تتبعنا وإلا لا نعود إليك من وقتنا هذا، فنحن مقيمون في هذه المدينة جمعة حتى يأخذ جدي هدايا للملك فقال بدر الدين لكم علي ذلك، فدخل عجيب هو والخادم في الدكان فقدم لهما زبدية ممتلئة حب رمان، فقال عجيب كل معنا لعل الله يفرج عنا ففرح حسن بدر الدين وأكل معهم حتى امتلأت بطونهما وشبعا على خلاف عادتهما، ثم انصرفا وأسرعا في مشيهما حتى وصلا إلى خيامهما ودخل عجيب على جدته أم والده حسن بدر الدين، فقبلته وتذكرت حسن بدر الدين فتنهدت وبكت ثم أنها أنشدت هذين البيتين: لو لم أرى بأن الشمل يجـتـمـع ما كان لي في حياتي بعدكم طمع أقسمت ما في فؤادي غير حبكـم والله ربي على الأسرار مطلـع ثم قالت لعجيب يا ولدي أين كنت، قال في مدينة دمشق فعند ذلك قامت وقدمت له زبدية لعام من حب الرمان وكان قليل الحلاوة وقالت للخادم اقعد مع سيدك فقال الخادم في نفسه والله ما لنا شهية في الأكل، ثم جلس الخادم وأما عجيب فإنه لما جلس كان بطنه ممتلئاً بما أكل وشرب، فأخذ لقمة وغمسها في حب الرمان وأكلها فوجده قليل الحلاوة لأنه شبعاناً فتضجر وقال أي شيء هذا الطعام الوحش فقالت جدته: يا ولدي أتعيب طبيخي وأنا طبخته ولا أحد يحسن الطبيخ مثلي إلا والدك حسن بدر الدين، فقال عجيب والله يا سيدتي إن طبيخك هذا غير متقن نحن في هذه الساعة رأينا في المدينة طباخاً طبخ رمان ولكن رائحته ينفتح لها القلب، وأما طعامه فإنه يشتهي نفس المتخوم أن يأكل وأما طعامك بالنسبة غليه فإنه لا يساوي كثيراً ولا قليلاً، فلما سمعت جدته كلامه اغتاظت غيظاً شديداً، ونظرت إلى الخادم وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

وفي الليلة الرابعة والعشرين قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن جدة عجيب لما سمعت كلامه اغتاظت ونظرت إلى الخادم وقالت ويلك هل أنت أفسدت ولدي لأنك دخلت به إلى دكاكين الطباخين فخاف الطواشي وأنكر، وقال ما دخلنا الدكان ولكن جزنا جوازاً فقال عجيب والله لقد دخلنا وأكلنا، وهو أحسن من طعامك فقامت جدته وأخبرت أخا زوجها وأغرته على الخادم فحضر الخادم قدام الوزير، فقال له لم دخلت بولدي دكان الطباخ فخاف الخادم وقال ما دخلنا فقال عجيب بل دخلنا وأكلنا من حب الرمان حتى شبعنا، وسقانا الطباخ شراباً بثلج وسكر فازداد غضب الوزير على الخادم وسأله فأنكر، فقال له الوزير إن كان كلامك صحيحاً فاقعد وكل قدامنا فعند ذلك تقدم الخادم وأراد أن يأكل فلم يقدر ورمى اللقمة وقال يا سيدي إني شبعان من البارحة. فعرف الوزير أنه أكل عند الطباخ فأمر الجواري ن يطرحنه فطرحنه ونزل عليه بالضرب الوجيع فاستغاث وقال يا سيدي إني شبعان من البارحة ثم منع عنه الضرب وقال لم أنطلق بالحق، فقال اعلم أننادخلنا دكان الطباخ وهو يطبخ حب الرمان فغرف لنا منه والله ما أكلت عمري مثله ولا رأيت أقبح من هذا الذي قدامنا فغضبت أم حسن بدر الدين، وقالت لا بد أن تذهب إلى هذا الطباخ وتجيء لنا بزبدية حب الرمان من الذي عنده وتريه لسيدك حتى يقول أيهما أحسن وأطيب، فقال الخادم: نعم ففي الحال أعطته زبدية ونصف دينار فمضى الخادم حتى وصل إلى الدكان وقال للطباخ نحن تراهنا على طعامك في بيت سيدنا لأن هناك حب رمان طبخه أهل البيت فهات لنا بهذا النصف دينار وأدر بالك في طهيه وأتقنه فقد أكلنا الضرب الموجع على طبيخك. فضحك حسن بدر الدين وقال والله أن هذا الطعام لا يحسنه أحد إلا أنا ووالدتي وهي الآن في بلاد بعيدة ثم أنه عرف الزبدية وأخذها وختمها بالمسك وماء الورد فأخذها الخادم وأسرع بها حتى وصل إليهم فأخذتها والدة حسن وذاقتها ونظرت حسن طعمها فعرفت طباخها فصرخت ثم وقعت مغشياً عليها فبهت الوزير من ذلك، ثم رشوا عليها ماء الورود بعد ساعة أفاقت وقالت إن كان ولدي في الدنيا فما طبخ حب الرمان هذا إلا هو وهو ولدي حسن بدر الدين لا شك ولا محالة لأن هذا طعامه وما أحد يطبخه غيره إلا أنا لأني علمته طبيخه.

فلما سمع الوزير كلامها فرح فرحاً شديداً، وقال واشوقاه إلى رؤية ابن أخي أترى تجمع الأيام شملنا وما نطلب الاجتماع به إلا من الله تعالى، ثم إن الوزير قام من وقته وساعته وصاح على الرجال الذين معه وقال يمضي منكم عشرون رجلاً إلى دكان الطباخ ويهدمونها ويكتفونه بعمامته ويجرونه غصباً إلى مكاني من غير إيذاء يحصل له، فقالوا له نعم ثم إن الوزير ركب من وقته وساعته إلى دار السعادة واجتمع بنائب دمشق وأطلعه على الكتب التي معه من السلطان فوضعها على رأسه بعد تقبيلها وقال من هو غريمك، قال رجل طباخ ففي الحال أمر حجابه أن يذهبوا إلى دكانه فذهبوا فرأوها مهدومة وكل شيء فيها مكسور لأنه لما توجه إلى دار السعادة فعلت جماعته ما أمرهم به وصاروا منتظرين مجيء الوزير من دار السعادة وحسن بدر الدين يقول في نفسه يا ترى أي شيء رأوا في حب الرمان حتى صار لي هذا الأمر فلما حضر الوزير من عند نائب دمشق وقد أذن غريمه وسفره به فلما دخل الخيام طلب الطباخ فأحضروه مكتفاً بعمامته. فلما نظر حسن بدر الدين إلى عمه بكى بكاء شديداً وقال يا مولاي ما ذنبي عندكم فقال له أنت الذي طبخت حب الرمان قال نعم فهل وجدتم فيه شيئاً يوجب ضرب الرقبة فقال هذا أقل جزائك فقال له يا سيدي أما توقفني على ذنبي، فقال له الوزير: نعم في هذه الساعة ثم إن الوزير صرخ على الغلمان وقال هاتوا الجمال وأخذوا حسن بدر الدين معهم وأدخلوه في صندوق وقفلوا عليه وساروا ولم يزالوا سائرين إلى أن أقبل الليل فحطوا وأكلوا شيئاً من الطعام وأخرجوا حسن بدر الدين فأطعموه وأعادوه إلى الصندوق ولم يزالوا كذلك حتى وصلوا إلى مكان فأخرجوا حسن بدر الدين من الصندوق وقال له هل أنت طبخت حب الرمان، قال نعم يا سيدي. فقال الوزير قيدوه فقيدوه وأعادوه إلى الصندوق وساروا إلى أن وصلوا إلى مصر وقد نزلوا في الزيدانية فأمر بإخراج حسن بدر الدين من الصندوق وأمر بإحضار نجار وقال اصنع لهذا لعبة خشب فقال حسن بدر الدين وما تصنع بها فقال أصلبك وأسمرك فيها ثم أدور بك المدينة كلها، فقال على أي شيء تفعل بي ذلك فقال الوزير على عدم إتقان طبيخك حب الرمان كيف طبخته وهو ناقص فلفلاً فقال له وهل لكونه ناقص فلفلاً تصنع معي هذا كله أما كفاك حبسي وكل يوم تطعمون بأكلة واحدة فقال له الوزير من أجل كونه ناقصاً فلفلاً ما جزاؤك إلى القتل، فتعجب حسن بدر الدين، وحزن على روحه وصار يتفكر في نفسه فقال له الوزير في أي شيء تتفكر، فقال له في العقول السخيفة التي مثل عقلك فإنه لو كان عندك عقل ما كنت فعلت معي هذه الفعال لأجل نقص الفلفل فقال له الوزير يجب علينا أن نؤدبك حتى لا تعود لمثله. فقال حسن بدر الدين إن الذي فعلته معي أقل شيء فيه أدبي فقال لا بد من صلبك وكل هذا والنجار يصلح الخشب وهو ينظر إليه ولم يزالوا كذلك إلى أن أقبل الليل فأخذه عمه ووضعه في الصندوق وقال في غد يكون صلبك، ثم صبر عليه حتى عرف أنه نام فقام وركب وأخذ الصندوق قدامه ودخل المدينة وسار إلى أن دخل بيته ثم قال لابنته ست الحسن: الحمد لله الذي جمع شملك بابن عمك قومي وافرشي البيت مثل فرشة ليلة الجلاء فأمرت الجواري بذلك، فقمن وأوقدن الشمع وقد أخرج الوزير الورقة التي كتب فيها أمتعة البيت ثم قرأها وأمر أن يضعوا كل شيء في مكانه حتى أن الرائي إذا رأى ذلك لا يشك في أنها ليلة الجلاء بعينها، ثم أن الوزير أمر أن تحط عمامة حسن بدر الدين في مكانها الذي حطها فيه بيده وكذلك السروال والكيس الذي تحت الطراحة ثم أن الوزير أمر ابنته تتحف نفسها كما كانت ليلة الجلاء وتدخل المخدع وقال لها: إذ دخل عليك ابن عمك فقولي له قد أبطأت علي في دخولك بيت الخلاء ودعيه يبيت عندك وتحدثي معه إلى النهار وكتب هذا التاريخ.
ثم أن الوزير أخرج بدر الدين من الصندوق بعد أن فك القيد من رجليه وخلع ما عليه من الثياب وصار بقميص النوم وهو رفيع من غير سروال. كل هذا وهو نائم لا يعرف بذلك ثم انتبه بدر الدين من النوم فوجد نفسه في دهليز نير، فقال في نفسه هل أنا في أضغاث أحلام أو في اليقظة، ثم قام بدر الدين فمشى قليلاً إلى باب ثان ونظر وغذا هو في البيت الذي انجلت فيه العروسة، ورأى المخدع والسرير ورأى عمامته وحوائجه، فلما نظر ذلك بهت وصار يقدم رجلاً ويؤخر أخرى وقال في نفسه هل هذا في المنام أو في اليقظة وصار يمسح جبينه ويقول وهو متعجب والله إن هذا مكان العروسة التي انجلت فيه علي، فإني كنت في صندوق، فبينما هو يخاطب نفسه وإذا بست الحسن رفعت طرف الناموسية وقالت له يا سيدي أما تدخل فإنك أبطأت علي في بيت الخلاء فلما سمع كلامها ونظر إلى وجهها وضحك وقال إن هذه أضغاث أحلام، ثم دخل وتنهد وتفكر فيما جرى له وتحير في أمره وأشكلت عليه قضيته ولما رأى عمامته وسرواله والكيس الذي فيه الألف دينار، قال: الله أعلم أني في أضغاث أحلام، وصار من فرط التعجب متحيراً، وهناك أدرك شهرزاد الصباح..

الحكاية التالية : وفي الليلة الخامسة والعشرين