قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن بنت الملك لما زعقت الزعقة التي لا بد منها أزال التاجر معروف بكارتها وصارت تلك الليلة لا تعد من الأعمار لاشتمالها على وصل الملاح من عناقٍ وهراشٍ ومصٍ ورضعٍ إلى الصباح ثم دخل الحمام ولبس بدلةً من ملابس الملوك وطلع من الحمام ودخل ديوان الملك فقام له من فيه على الأقدام وقابلوه بإعزازٍ وإكرامٍ وهنأوه وباركوا له وجلس بجانب الملك وقال: أين الخازندار فقالوا: ها هو حاضر بين يديك فقال: هات الخلع وألبس جميع الوزراء والأمراء وأرباب المناصب فجاء له بجميع ما طلب وجلس يعطي كل من أتى له ويهب لكل إنسانٍ على قدر مقامه واستمر على هذه الحالة مدة عشرين يوماً ولم يظهر له حملةً ولا غيرها. ثم أن الخازندار تضايق منه غاية الضيق ودخل على الملك في غياب معروفٍ وكان الملك جالساً هو والوزير لا غير وقبل الأرض بين يديه وقال: يا ملك الزمان أنا أعلمك شيءٌ ربما تلومني على عدم الأخبار به: أعلم أن الخزنة فرغت ولم يبق فيها شيء من المال إلا القليل وبعد عشرة أيامٍ نقفلها على الفارغ. فقال الملك: يا وزير أن حملة نسيبي تأخرت ولم يبن عنها علمٌ فضحك الوزير وقال له: الله يلطف بك يا ملك الزمان ما أنت إلا مغفلٌ عن فعل هذا النصاب الكذاب وحياة رأسك أنه لا حملةً له ولا كبةً تريحنا منه وإنما هو ما زال ينصب عليك حتى أتلف أموالك وتزوج بنتك بلا شيء وإلى متى وأنت غافل عن هذا الكذاب فقال له الملك: يا وزير كيف العمل حتى نعرف حقيقة حاله فقال له: يا ملك الزمان لا يطلع على سر الرجل إلا زوجته فأرسل إلي بنتك لتأتي خلف الستارة حتى أسألها عن حقيقة ثم أنه أخذ الوزير ودخل إلى قاعة الجلوس وأرسل إلى ابنته فأتت وراء الستارة وكان ذلك في غياب زوجها فلما أتت قالت: يا أبي ماذا تريد قال: كلمي الوزير قالت: أيها الوزير ما بالك قال: يا سيدي أعلمي أن زوجك أتلف مال أبيك وقد تزوج بك بلا مهرٍ وهو لم يزل يعدنا ويخلف الميعاد ولم يبن لحملته علم بالجملة نريد أن تخبرينا عنه فقالت: أن كلامه كثير وهو في كل وقتٍ يجيء ويعدني بالجواهر والحلي والذخائر والقماشات المثمنة ولم أر شيئاً فقال: يا سيدتي هل تقدرين في هذه الليلة أن تأخذي وتعطي معه في الكلام وتقولي له: أفيدني بالصحيح ولا تخف من شيءٍ فأنك صرت زوجي ولا أفرط فيك بحقيقة الأمر وأنا أدبر لك تدبيراً ترتاح به ثم قربي وبعدي له في الكلام وأريه المحبة وقرريه ثم بعد ذلك أفيدينا بحقيقة أمره فقالت: يا أبت أنا أعرف كيف أختبره. ثم أنها دخلت وبعد العشاء حضر عليها زوجها معروف على جري عادته فقامت له وتناولته من تحت إبطه وخادعته خداعاً زائداً وناهيك بمخادعة النساء إذا كان لهن عند الرجال حاجةٌ يردن قضاءها وما زالت تخادعه وتلاطفه بكلامٍ أحلى من العسل حتى سرقت عقله. فلما رأته مال إليها بكليته قالت له: يا حبيبي يا قرة عيني ويا ثمرة فؤادي لا أوحشني الله منك ولا فرق الزمان بيني وبينك فأن محبتك سكنت فؤادي ونار غرامك أحرقت كبدي وليس فيك تفريطٌ أبداً ولكن مرادي أن تخبرني بالصحيح لأن حبل الكذب غير نافعةٍ ولا تنطلي في كل الأوقات وإلى متى وأنت تنصب وتكذب على أبي وأنا خائفةٌ أن يفتضح أمرك عنده قبل أن تدبر له حيلةً فيبطش بك فأفدني بالصحيح وما بك إلا ما يسرك ومتى أعلمتني بحقيقة الأمر لا تخشى من شيء يضرك فكم تدعي أنك تاجرٌ وصاحب أموالٍ ولك حملةٌ وقد مضت لك مدةً طويلةً وأنت تقول حملتي حملتي ولم يبن عن حملتك علمٌ ويلوح على وجهك الهم بهذا السبب فأن كان كلامك ليس له صحةٌ فقل لي وأنا أدبر لك تدبيراً تخلص به أن شاء الله. فقال لها: يا سيدتي سأخبرك بالصحيح ومهما أردت فافعلي فقالت له: قل وعليك بالصدق فأن الصدق سفينة النجاة وإياك والكذب فأنه يفضح صاحبه ولله در من قال: عليك بالصدق ولو أنهأحرقك الصدق بنار الوعيد وأبغ رضا الله فأغبى الورىمن أسخط المولى وأرضى العبيد فقال: يا سيدتي أعلمي أني لست تاجراً ولا لي حملةً ولا حاميةً وإنما كنت في بلادي رجلاً إسكافياً ولي زوجة اسمها فاطمة العره وجرى لي معها كذا وكذا وأخبرها بالحكاية من أولها إلى نهايتها فضحكت وقالت: أنك ماهرٌ في صناعة الكذب والنصب فقال لها: يا سيدتي الله تعالى يبقيك لستر العيوب وفك الكروب فقالت: أعلم أنك نصبت على أبي وغررته بكثرة فشرك حتى زوجني بك من طمعه ثم أتلفت ماله والوزير منكر ذلك عليك وكم مرة يتكلم فيك عند أبي ويقول له: أنه نصابٌ كذابٌ ولكن أبي لم يطعه فيما يقول. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.