وحكايات عربية اُخرى
{
}
 
الصفحة الرئيسية > ألف ليلة وليلة > وفي الليلة الثامنة والستين

الحكاية السابقة : وفي الليلة السابعة والستين


وفي الليلة الثامنة والستين

قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن لملكة إبريزة لما قالت للعبد، العبد هو الغضبان: ما بقي إلا العبيد السود ثم صارت تبكته وأظهرت له الغيظ وقالت له: ويلك ما هذا الكلام الذي تقوله لي؟ فلا تتكلم بشيء من هذا في حضرتي واعلم أنني لا أرضى بشيء مما قلته ولو سقيت كأن الردى ولكن اصبر حتى أصلح الجنين وأصلح شأني وأرمي الخلاص ثم بعد ذلك إن قدرت علي فافعل بي ما تريد وإن لم تترك فاحش الكلام في هذا الوقت فإني أقتل نفسي بيدي وأرتاح من هذا كله، ثم أنشدت هذه الأبيات: أيا غضبان دعني قد كفانـي مكايدة الحوادث والـزمـان عن الفحشاء ري قد نهـانـي وقال النار مثوى من عصاني وإني لا أميل بفـعـل سـوء بعين النقص دعني لا تراني ولم تترك الفحشـاء عـنـي وترعى حرمتي فيمن رعاني

لأسرح طاقتي لرجال قومي وأجلب كل قاصيها ودانـي ولو قطعت بالسيف اليمانـي لما خليت فحـاشـاً يرانـي من الأحرار والكبراء طـرا فكيف العبد من نسل الزواني فلما سمع الغضبان ذلك الشعر غضب عضباً شديداً واحمرت مقلته واغبرت سحنته وانتفخت ناخره وامتدت مشافره وزادت به النفرات وأنشد هذه الأبيات: أيا إبريزة لا تـتـركـينـي قتيل هواك باللحظ اليمانـي فقلبي قد تقطع من جـفـاك وجسمي ناحل والصبر فاني ولفظك قد سبى الألباب سحراً فعقلي نازح والشوق دانـي ولو أجلبت ملء الأرض جيشاً لأبلغ مأربي في ذا الرمـان فلما سمعت إبريزة كلامه بكت بكاء شديداً وقالت: ويلك يا غضبان وهل بلغ من قدرك أن تخاطبني بهذا الخطاب يا ولد الزنا وتربية الخنا، أتحسب أن الناس كلهم سواء؟ فلما سمع ذلك العبد النحس هذا الكلام غضب منها غضباً شديداً وتقدم إليها وضربها بالسيف فقتلها وساق جوادها بعد أن أخذ المال وفر بنفسه هارباً في الجبال. هذا ما كان من أمر الغضبان، وأما ما كان من أمر الملكة إبريزة فإنها صارت طريحة على الأرضوكان الولد الذي ولدته ذكراً فحملته مرجانة في حجرها وصرخت صرخة عظيمة وشقت أثوابها وصارت تحثو التراب على رأسها وتلطم على خدها حتى طلع الدم من وجهها وقالت: واحسرتاه كيف قتل سيدتي عبد أسود لا قيمة له بعد فروسيتها؟ فبينما هي تبكي وإذا بغبار قد ثار حتى سد الأقطار ولما انكشف ذلك الغبار بان من تحته عسكر جرار وكانت العساكرعساكر ملك الروم والد الملكة إبريزة، وسبب ذلك أنه لما سمع أن ابنته هربت هي وجواريها إلى بغداد وأنها عند الملك عمر النعمان خرج بمن معه ليسأل المسافرين من أين أتوا لعله يعلم بخبر ابنته وكان على بعد هؤلاء الثلاثة ابنته والعبد الغضبان وجاريتها مرجانة فقصدهم ليسألهم، فلما قصدهم خاف العبد على نفسه بسبب قتلها فنجا بنفسه فلما أقبلوا عليها رآها أبوها مرمية على الأرض وجاريتها تبكي عليها، فرمى نفسه من فوق جواده ووقع على الأرض مغشياً عليه فترجل كل من كان معه من الفرسان والأرماء والوزراء وضربوا الخيام ونصبوا قبة الملك حردوب ووقف أرباب الدولة خارج تلك القبة، فلما رأت مرجانة سيدها عرفته وزادت في البكاء والنحيبز فلما أفاق الملك من غشيته سألها عن الخبر فأخبرته بالقصة وقالت له: إن الذي قتل ابنتك عبد أسود من عبيد الملك عمر النعمان وأخبرته بما فعله الملك عمر النعمان بابنته. فلما سمع الملك حردوب ذكلك الكلام اسودت الدنيا في وجهه وبكى بكاء شديداً، ثم أمر بإحضار محفة وحمل ابنته فيها ومضى إلى قيسارية وأدخلوها القصر ثم إن الملك حردوب دخل على أمه ذات الدواهي وقال لها: أهكذا يفعلون المسلمون ببنتي؟ فإن الملك عمر النعمان أزال بكارتها قهراً، وبعد ذلك قتلها عبد أسود من عبيده فواحق المسيح لا بد من أخذ ثأر ابنتي أو كشف العار عن عرضي وإلا قتلت نفسي بيدي، ثم بكى بكاء شديداً، فقالت له أمه ذات الدواهي: ما قتل ابنتك إلا مرجانة لأنها كانت تكرهها في الباطن ثم قالت لولدها: لا تحزن من أخذ ثأرها فواحق المسيح، لا أرجع عن الملك النعمان حتى أقتله وأقتل أولاده ولأعملن معه عملاً تعجز عنه الدهاة والأبطال ويتحدث عنه المتحدثون في جميع الأقطار ولكن ينبغي لك أن تمتثل أمري في كل ما أقوله وأنت تبلغ ما تريد فقال: وحق المسيح لا أخالفك أبداً فيما تقولينه.

قالت له: إئتني بجوار نهد أبكار وائتني بحكماء الزمان وأجزل لهم العطايا وامرهم أن يعلموا الجواري الحكمة والأدب وخطاب الملوك ومنادمتهم والأشعار وأن يتعلموا بالحكمة والمواعظ، ويكون الحكماء مسلمين لأجل أن يعلموهن أخبار العرب وتواريخ الخلفاء وأخبار من سلف من ملوك الإسلام ولو أقمنا على ذلك عشرة أعوام وطول روحك واصبر فإن بعض الأعراب يقول: أن أخذ الثأر بعد أربعين عاماً مدته قليلة، ونحن إذا علمنا تلك الجواري بلغنا من عدونا ما نختار لأنه ممن يحب الجواري وعنده ثلثمائة وست وستون جارية وازددن مائة جارية من خواص جواريك اللاتي كن مع المرحومة فإذاتعلم الجواري ما أخبرتك من العلوم فإني آخذهن بعد ذلك وأسافر بهن فلما سمع الملك حردوب كلام أمه ذات الدواهي فرح فرحاً شديداً وقبل رأسها، ثم أرسل من وقته وساعته المسافرين والقصاد إلى أطراف البلاد، ليأتوا إليه بالحكماء من المسلمين فامتثلوا أمره وسافروا إلى بلاد بعيدة، وأتوا بما طلبه من الحكماء والعلماء فلما حضروا بين يديه أكرمهم غاية الإكرام وخلع عليهم الخلع ورتب لهم الرواتب والجرايات ووعدهم بالمال الجزيل إذا فعلوا ما أمرهم به، ثم أحضر لهم الجواري، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

الحكاية التالية : وفي الليلة التاسعة والستين