قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن الرجل سأل معروف الإسكافي وقال له: من الدرب الأحمر قال له: فلاناً وفلاناً وعد له ناساً كثيرين قال له: هل تعرف الشيخ أحمد العطار قال: هو جاري الحيط في الحيط قال له: هل هو طيبٌ قال: نعم. قال: كم له من الأولاد قال: ثلاثةٌ: مصطفى ومحمد وعلي قال له: ما فعل الله بأولاده قال: أما مصطفى فأنه طيبٌ وهو عالمٌ مدرسٌ وأما محمد فأنه عطارٌ وقد فتح له دكانا بجنب دكان أبيه بعد أن تزوج وولدت زوجته ولداً اسمه حسن قال: بشرك الله بالخير. قال: وأما علي فأنه كان رفيقي ونحن صغار وكنت دائماً ألعب أنا وإياه وبقينا نروح بصفة أولاد النصارى وندخل الكنيسة ونسرق كتب النصارى ونبيعها ونشتري بثمنها نفقة فاتفق في بعض المرات أن النصارى رأونا وأمسكونا بكتاب فاشتكونا إلى أهلنا وقالوا لأبيه: إذا لم تمنع ولدك من آذانا شكوناك إلى الملك فأخذ بخاطرهم وضربه علقة فلهذا السبب هرب من ذلك الوقت ولم يعرف له طريقاً وهو غائبٌ له عشرون سنةً ولم يخبر عنه أحدٌ بخبر فقال له: هو أنا علي ابن الشيخ أحمد العطار وأنت رفيقي يا معروف وسلما على بعضهما وبعد السلام قال: يا معروف أخبرني بسبب مجيئك من مصر إلى هذه المدينة فأخبره بخبر زوجته فاطمة العرة وما فعلت معه وقال له: أنه لما اشتد علي أذاها هربت منها في جهة باب النصر ونزل علي المطر فدخلت في حاصل خراب في العادلية وقعدت أبكي فخرج لي عامر المكان وهو عفريتٌ من الجن وسألني فأخبرته بحالي فأركبني على ظهره وطار بي طول الليل بين السماء والأرض ثم حطني على الجبل وأخبرني بالمدينة فنزلت من الجبل ودخلت المدينة والتم علي الناس وسألوني فقلت لهم أني طلعت البارحة من مصر فلم يصدقوني فجئت أنت ومنعت عني الناس وجئت بي إلى هذا الدار وهذا سبب خروجي من مصر وأنت ما سبب مجيئك هنا قال له: غلب علي الطيش وعمري سبع سنين فمن ذلك الوقت وأنا دائر من بلدٍ إلى بلدٍ ومن مدينةٍ إلى مدينةٍ حتى دخلت هذه المدينة واسمها اختيان الختن فرأيت أهلها ناساً كراماً وعندهم الشفقة ورأيتهم يأتمنون الفقير ويداينونه وكل ما قاله يصدقونه فقلت لهم: أنا تاجر وقد سبقت الحملة ومرادي ثم أني قلت لهم: هل فيكم من يداينني ألف دينارٍ حتى تجيء حملتي أرد له ما آخذه منه فأني محتاجٌ إلى بعض مصالح قبل دخول الحملة فأعطوني ما أردت وتوجهت إلى سوق التجار فرأيت شيئاً من البضاعة فاشتريته وفي ثاني يوم بعته فربحت فيه خمسين ديناراً واشتريت غيره وصرت أعاشر الناس وأكرمهم فأحبوني وصرت أبيع واشتري فكثر مالي وأعلم يا أخي أن صاحب المثل يقول: الدنيا فشر وحيلة والبلاد التي لا يعرفك فيها أحدٌ مهما شئت فافعل فيها وأنت إذا قلت لكل من سألك أنا صنعتي إسكافي وفقير وهربت من زوجتي والبارحة طلعت من مصر فلا يصدقونك وتصير عندهم مسخرةً مدة أقامتك في هذه المدينة وأن قلت: حملني عفريت نفروا منك ولا يقرب منك أحدٌ ويقولون: هذا رجلٌ معفرتٌ وكل من يقرب منه يحصل له ضربٌ وتبقى هذه الإشاعة قبيحةٌ في حقي وحقك لكونهم يعرفون أني من مصر. قال: وكيف أصنع قال: أنا أعلمك كيف تصنع أن شاء الله تعالى أعطيك في الغد ألف دينارٍ وبغلةً تركبها وعبداً يمشي قدامك حتى يوصلك إلى باب سوق التجار فأدخل عليهم وأكون أنا قاعداً بين التجار فمتى رأيتك أقوم لك وأسلم عليك وأقبل يدك وأعظم قدرك وكلما سألتك عن صنع من القماش وقلت لك: هل جئت معك بشيء من الصنف الفلاني فقل: كثيرٌ وأن سألوني عنك أشكرك وأعظمك في أعينهم ثم أني أقول لهم: خذوا له حاصلاً ودكاناً وأصفك بكثرة المال والكرم وإذا أتاك سائلٌ فأعطه ما تيسر فيثقون بكلامي ويعتقدون عظمتك وكرمك ويحبونك وبعد ذلك أعزمك وأعزم جميع التجار من شأنك وأجمع بينك وبينهم حتى يعرفك جميعهم وتعرفهم. وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.