قالت: بلغني أيها الملك السعيد أن علي نور الدين هم قاعداً فقال له: يا شيخ إبراهيم أي شيء هذا؟ أما حلفت عليك من ساعة فأبيت وقلت أن لي ثلاثة عشر عاماً ما فعلته؟ فقال الشيخ إبراهيم وقد استحى: ما لي ذنب فإنما هي شددت علي فضحك نور الدين وقعدوا للمنادمة فالتفتت الجارية وقالت لسيدها: سر يا سيدي اشرب ولا تحلف على الشيخ إبراهيم حتى أفرجك عليه فجعلت الجارية تملأ وتسقي سيدها وسيدها يملأ ويسقيها ولم يزالا كذلك مرة بعد مرة، فنظر لهما الشيخ إبراهيم وقال لهما: أي شيء هذا وما هذه المنادمة ولا تسقياني وقد صرت نديمكما فضحكا من كلامه إلى أن أغمي عليهما ثم شربا وسقياه وما زالوا في المنادمة إلى ثلث الليل فعند ذلك قالت الجارية: يا شيخ إبراهيم عن إذنك هل أقوم وأوقد شمعة من هذا الشمع المصفوف؟ فقال لها: قومي ولا توقدي غلا شمعة واحدة فنهضت على قدميها وابتدأت من أول اشمع إلى أن أوقدت ثمانين شمعة ثم قعدت وبعد ذلك قال نور الدين: يا شيخ إبراهيم وأنا أي شيء حظي عندك أما تخليني أوقد قنديلاً من هذه القناديل؟ فقال له الشيخ إبراهيم: قم وأوقد قنديلاً واحداً ولا تتناقل أنت الآخر، فقام وابتدأ من أولها إلى أن أوقد ثمانين قنديلاً فعند ذلك رقص المكان.
فقال لهما الشيخ إبراهيم وقد غلب عليه السكر: أنتما أخرع مني، ثم إنه نهض على قدميه وفتح الشبابيك جميعاً وجلس معهما يتنادمون ويتناشدون الأشعار وابتهج بهم المكان فقدر الله السميع العليم الذي جعل لكل شيء سبباً حيث أن الخليفة كان في تلك الساعة جالساً في شبابيك مطلة على ناحية الدجلة في ضوء القمر فنظر إلى تلك الجهة فرأى ضوء القناديل والشموع في البحر ساطعاً فلاحت من الخليفة التفاتة إلى القصر الذي في البستان فرآه يلهج من تلك الشموع والقناديل فقال: علي بجعفر البرمكي، فما كان إلا لحظة وقد حضر جعفر البرمكي بين يدي أمير المؤمنين فقال له: يا كلب الوزراء أتخدمين ولا تعلمني بما يحصل في مدينة بغداد؟ فقال له جعفر: وما سبب هذا الكلام؟ فقال: لولا أن مدينة بغداد أخذت مني ما كان قصر الفرجة مبتهجاً بضوء القناديل والشموع وانفتحت شبابيكه ويلك من الذي يكون له القدرة على هذه الفعال غلا إذا كانت الخلافة أخذت مني، فقال جعفر وقد ارتعدت فرائصه: ومن أخبرك أن قصر الفرجة أوقدت فيه القناديل والشموع وفتحت شبابيكه؟ فقال له: تقدم عندي وانظر، فتقدم جعفر عند الخليفة ونظر ناحية البستان فوجد القصر كأنه شعلة من نور غلب على نور القمر، فأراد جعفر أن يعتذر عن الشيخ إبراهيم الخولي ربما هذا الأمر بإذنه لما رأى فيه من المصلحة فقال: يا أمير المؤمنين كان الشيخ إبراهيم في الجمعة التي مضت قال لي يا سيدي جعفر إني أريد أن أفرح أولادي في حياتك وحياة أمير المؤمنين فقلت له: وما مرادك بهذا الكلام؟ فقال لي: مرادي أن آخذ إذناً من الخليفة بأني أظاهر أولادي في القصر فقلت له: افعل ما شئت من فرح أولادك وإن شاء الله أجتمع بالخليفة وأعلمه بذلك فراح من عندي على هذه الحال ونسيت أن أعلمك. فقال الخليفة: يا جعفر كان لك عندي ذنب واحد فصار لك عندي ذنبان لأنك أخطأت من وجهين: الوجه الأول أنك ما أعلمتني بذلك والوجه الثاني أنك بلغت الشيخ إبراهيم مقصوده فإنه ما جاء إليك وقال لك هذا الكلام إلا تعريضاً بطلب شيء من المال يستعين به على مقصوده فلم تعطه شيئاً ولم تعلمني حتى أعطيه. فقال جعفر: يا أمير المؤمنين نسيت فقال الخليفة: وحق آبائي وأجدادي ما أتم بقية ليلتي إلا عنده، فإنه رجل صالح يتردد إليه المشايخ ويساعد الفقراء ويؤاسي المساكين وأظن أن الجميع عنده في هذه الليلة فلا بد من الذهاب إليه لعل واحد منهم يدعو لنا دعوة يحصل لنا بها خيري الدنيا والآخرة وبما يحصل له نفع في هذا الأمر بحضوري ويفرح بذلك هو وأحبابه، فقال جعفر: يا أمير المؤمنين إن معظم الليل قد مضى وهم في هذه الساعة على وجه الانفضاض فقال الخليفة: لا بد من الرواح عنده. فسكت جعفر وتحير في نفسه وصار لا يدري فنهض الخليفة على قدميه وقام جعفر بين يديه ومعهما مسرور والخادم ومشى الثلاثة متنكرين ونزلوا من القصر وجعلوا يشقون الطريق في الأزقة وهم في زي التجار إلى أن وصلوا إلى البستان المذكور فتقدم الخليفة فرأى البستان مفتوحاً فتعجب وقال: انظر الشيخ إبراهيم كيف ترك الباب مفتوحاً إلى هذا الوقت وما هي عادته، ثم أنهم دخلوا إلى أن انتهوا إلى آخر البستان ووقفوا تحت القصر، فقال الخليفة: يا جعفر أريد أن أتسلل عليهم قبل أن أطلع عندهم حتى أنظر ما عليه المشايخ من النفحات وواردات الكرمات فإن لهم شؤوناً في الخلوات والجلوات لأننا الآن لم نسمع صوتاً ولم نر لهم أثراً، ثم إن الخليفة نظر فرأى شجرة جوز عالية فقال: يا جعفر أريد أن أطلع على هذه الشجرة فإن فروعها قريبة من الشبابيك وأنظر إليهم ثم إن الخليفة طلع فوق الشجرة ولم يزل يتعلق من فرع إلى فرع حتى وصل إلى الفرع الذي يقابل الشباك وقعد فوقه ونظر من شباط القصر فرأى صبية وصبياً كأنهما قمران سبحان من خلقهما ورأى الشيخ إبراهيم قاعداً وفي يده قدح وهو يقول يا سيدة الملاح الشرب بلا طرب غير فلاح، ألم تسمعي قول الشاعر: أدرها بالكبير وبالصـغـير وخذها من يد القمر المنـير ولا تشرب بلا طرب فإنـي رأيت الخيل تشرب بالصفير
فلما عاين الخليفة من الشيخ إبراهيم هذه الفعال قام عرق الغضب بين عينيه ونزل وقال: يا جعفر أنا ما رأيت شيئاً من كرمات الصالحين مثل ما رأيت في هذه الليلة فاطلع أنت الآخر على هذه الشجرة وانظر لئلا تفوتك بركات الصالحين، فلما سمع جعفر كلام أمير المؤمنين صار متحيراً في أمره وصعد إلى أعلى الشجرة وإذا به ينظر فرأى علي نور الدين والشيخ إبراهيم والجارية وكان الشيخ إبراهيم في يده القدح فلما عاين جعفر تلك الحالة أيقن بالهلاك ثم نزل فوقف بين يدي أمير المؤمنين فقال الخليفة: يا جعفر الحمد لله الذي جعلنا من المتبعين لظاهر الشريعة المطهرة وكفانا شر تلبيات الطريقة المزورة فلم يقدر جعفر أن يتكلم من شدة الخجل ثم نظر الخليفة إلى جعفر وقال: يا هل ترى من أوصل هؤلاء إلى هذا المكان ومن أدخلهم قصري؟ ولكن مثل هذا الصبي وهذه الصبية ما رأت عيني حسناً وجمالاً وقداً واعتدالاً مثلهما. فقال جعفر وقد استرجى رضا الخليفة: صدقت يا أمير المؤمنين. فقال: يا جعفر اطلع بنا على هذا الفرع الذي هو مقابلهم لنتفرج عليهم، فطلع الاثنان على الشجرة ونظراهما فسمع الشيخ إبراهيم يقول: يا سيدتي قد تركت الوقار بشرب العقار ولا يلذ ذلك إلا بنغمات الأوتار فقالت له أنيس الجليس: يا شيخ إبراهيم والله لو كان عندي شيء من آلات الطرب لكان سرورنا كاملاً، فلما سمع الشيخ إبراهيم كلام الجارية نهض قائماً على قدميه فقال الخليفة لجعفر: يا ترى ماذا يريد أن يعمل؟ فقال جعفر: لا أدري. فغاب الشيخ إبراهيم وعاد ومعه عوداً فتأمله الخليفة فإذا هو عود إسحق النديم، فقال الخليفة: والله إن غنت الجارية ولم تحسن الغناء صلبتكم كلكم وإن غنت وأحسنت الغناء فإني أعفوا عنهم وأصلبك أنت، فقال جعفر: اللهم اجعلها لا تحسن الغناء فقال الخليفة: لأي شيء؟ فقال: لأجل أن تصلبنا كلنا فيؤانس بعضنا بعضاً فضحك الخليفة، وإذا بالجارية أخذت العود وأصلحت أوتاره وضربت ضرباً يذيب الحديد ويفطن البليد وأخذت تنشد هذه الأبيات: أضحى التنائي بديلاً من تدانـينـا وناب عن طيب لقيانا تجافـينـا بنتم وبنا فما ابتلت جـوانـحـنـا شوقاً إليكم ولا جفت مـآقـينـا غيظ العدا من تساقينا الهوى فدعوا بأن نغص فقال الدهـر آمـينـا ما الخوف أن تقتلونا في منازلنـا وإنما خوفنا أن تأثـمـوا فـينـا فقال الخليفة: والله يا جعفر عمري ما سمعت صوتاً مطرباً مثل هذا فقال جعفر: لعل الخليفة ذهب ما عنده من الغيظ؟ قال: نعم، ثم نزل من الشجرة هو وجعفر ثم التفت إلى جعفر وقال: أريد أن أطلع وأجلس عندهم واسمع الصبية تغني قدامي فقال أمير المؤمنين: إذا طلعت عليهم ربما تكدروا وأما الشيخ إبراهيم فإنه يموت من الخوف، فقال الخليفة: يا جعفر لا بد أن تعرفني حيلة أحتال بها على معرفة حقيقة هذا الأمر من غير أن يشعروا باطلاعنا عليهم ثم إن الخليفة هو وجعفر ذهبا إلى ناحية الدجلة وهما متفكران في هذا الأمر وإذا بصياد واقف يصطاد وكان الصياد تحت شبابيك القصر فرمى شبكته ليصطاد ما يقتات به وكان الخليفة سابقاً صاح على الشيخ إبراهيم وقال له: ما هذا الصوت الذي سمعته تحت شبابيك القصر؟ فقال له الشيخ إبراهيم: صوت الصيادين الذين يصطادون السمك فقال: انزل وامنعهم من ذلك الموضع فامتنع الصيادون من ذلك الموضع فلما كانت تلك الليلة جاء صياد يسمى كريماً ورأى باب البستان مفتوحاً فقال في نفسه: هذا وقت غفلة لعلي أستغنم في هذا الوقت صياداً ثم أخذ شبكته وطرحها في البحر وصار ينشد هذه الأبيات: يا راكب البحر في الأهوال والهلكة أقصر عناك فليس الرزق بالحركة أما ترى البحر والصياد منتـصـب في ليلة ونجوم الليل مـحـتـبـكة قد مد أطنابه والمـوج يلـطـمـه وعينه لم تزل في كلل الـشـبـكة حتى إذا بات مسروراً بهـا فـرحـاً والحوت قد حط في فخ الردى حنكه وصاحب القصر أمسى فيه ليلـتـه منعم البال في خير مـن الـبـركة وصار مستيقظاً من بعـد قـدرتـه لكن في ملكه ظبياً وقـد مـلـكـه سبحان ربي يعطي ذا ويمنـع ذا بعض يصيد وبعض يأكل السمكة فلما فرغ من شعره وإذا بالخليفة وحده واقف بجانبه فعرفه الخليفة فقال له: يا كريم فالتفت إليه لما سمعه سماه باسمه فلما رأى الخليفة ارتعدت فرائصه وقال: ولله يا أمير المؤمنين ما فعلته استهزاء بالمرسوم ولكن الفقر العيلة قد حملاني على ما ترى فقال الخليفة: اصطاد على بختي فتقدم الصياد وقد فرح فرحاً شديداً وطرح الشبكة وصبر إلى أن أخذت حدها وثبتت في القرار فطلع فيها من أنواع السمك ما لا يحصى ففرح بذلك الخليفة فقال: يا كريم اقلع ثيابك فقلع ثيابه وكانت عليه جبة فيها مائة رقعة من الصوف الخشن وفيها من القمل الذي له أذناب ومن البراغيث ما يكاد أن يسير بها على وجه الأرض وقلع عمامته من فوق رأسه وكان له ثلاث سنين ما حلها وإنما كان إذا رأى خرقة لفها عليها، فلما قلع الجبة والعمامة خلع الخليفة من فوق جسمه ثوبين من الحرير الإسكندراني والبعلبكي وملوطة وفرجية، ثم قال للصياد: خذ هذه والبسها ثم لبس الخليفة جبة الصياد وعمامته ووضع على وجهه لثاماً ثم قال للصياد: رح أنت إلى شغلك فقبل رجل الخليفة وأنشد هذين البيتين: أوليتني ما لا أقوم بـشـكـره وكفيتني كل الأمور بأسرهـا فلأشكرنك ما حييت وإن أمـت شكرتك مني عظمي في قبرها فلما فرغ الصياد من شعره حتى جال القمل على جلد الخليفة فصار يقبض بيده اليمين والشمال من على رقبته ويرمي، ثم قال: يا صياد ويلك ما هذا القمل الكثير في هذه الجبة؟ فقال: يا سيدي أنه في هذه الساعة يؤلمك فإذا مضت عليك جمعة فإنك لا تحس به ولا تفكر فيه، فضحك الخليفة وقال له: ويلك كيف أخلي هذه الجبة على جسدي؟ فقال الصياد: إني أشتهي أن أقول لك كلاماً ولكن أستحي من هيبة الخليفة فقال له: قل ماعندك؟ فقال له: قد خطر ببالي يا أمير المؤمنين أنك إن أردت أن تتعلم الصيد لأجل أن تكون في يدك صنعة تنفعك فإن أردت ذلك يا أمير المؤمنين فإن هذه الجبة تناسبك فضحك الخليفة من كلام الصياد ثم ولى الصياد إلى حال سبيله وأخذ الخليفة مقطف السمك ووضع فوقه قليلاً من الحشيش وأتى به إلى جعفر. ووقف بين يديه فاعتقد جعفر أنه كريم الصياد فخاف عليه وقال: يا كريم ما جاء بك هنا انج بنفسك فإن الخليفة هنا في هذه الساعة، فلما سمع الخليفة كلام جعفر ضحك حتى استلقى على قفاه فقال جعفر: لعل مولانا أمير المؤمنين، فقال الخليفة: نعم يا جعفر وأنت وزيري وجئت أنا وإياك هنا وما عرفتني فكيف يعرفني الشيخ إبراهيم وهو سكران؟ فكن مكانك حتى أرجع إليك. فقال جعفر: سمعاً وطاعة، ثم إن الخليفة تقدم إلى باب القصر ودقه فقام الشيخ إبراهيم وقال: من بالباب؟ فقال له: أنا يا شيخ إبراهيم قال له: من أنت؟ قال له: أنا كريم الصياد، وسمعت أن عندك أضيافاً فجئت إليك بشيء من السمك فإنه مليح وكان نور الدين هو والجارية يحبان السمك فلما سمعا ذكر السمك فرحا به فرحاً شديداً وقالا: يا سيدي افتح له ودعه يدخل لنا عندك بالسمك الذي معه ففتح الشيخ إبراهيم فدخل الخليفة وهو في صورة الصياد وابتدأ بالسلام، فقال له الشيخ إبراهيم: أهلا باللص السارق المقامر، تعال أرنا السمك الذي معك فأراهم إياه، فلما نظروه فإذا هو حي يتحرك فقالت الجارية: والله يا سيدي إن هذا السمك مليح يا ليته مقلي فقال الشيخ إبراهيم: والله صدقت ثم قال للخليفة: يا صياد ليتك جئت بهذا السمك مقلياً قم فاقله لنا وهاته فقال الخليفة: على الرأس أقليه وأجيء به، فقال له: عجل بقليه والإتيان به فقام الخليفة يجري حتى وصل إلى جعفر، وقال: يا جعفر طلبوا السمك مقلياً فقال: يا أمير المؤمنين هاته وأنا أقليه.
فقال الخليفة: وتربة آبائي وأجدادي ما يقليه إلا أنا بيدي ثم إن الخليفة ذهب إلى خص الخولي وفتش فيه فوجد فيه كل شيء يحتاج إليه من آلة القلي حتى الملح والزعتر وغير ذلك فتقدم للكانون وعلق الطاجن وقلاه قلياً مليحاً فلما استوى جعله على ورق الموز وأخذ من البستان ليموناً،وطلع بالسمك ووضعه بين أيديهم فتقدم الصبي والصبية والشيخ إبراهيم وأكلوا فلما فرغوا غسلوا أيديهم فقال نور الدين: والله يا صياد إنك صنعت معنا معروفاً هذه الليلة ثم وضع يده في جيبه وأخرج له ثلاثة دنانير من الدنانير التي أعطاه إياها سنجر وقت خروجه للسفر، وقال: يا صياد اعذرني فوالله لو عرفتك قبل الذي حصل لي سابقاً لكنت نزعت مرارة الفقر من قلبك، لكن خذ هذا بحسب الحال ثم رمى الدنانير للخليفة فأخذها وقبلها ووضعها في جيبه وماكان مراد الخليفة بذلك إلا السماع من الجارية وهي تغني، فقال الخليفة: أحسنت وتفضلت لكن مرادي من تصدقاتك العميمة أن هذه الجارية تغني لنا صوتاً حتى أسمعها فقال نور الدين: يا أنيس الجليس قالت: نعم قال لهاك وحياتي أن تغني لنا شيئاً من شأن خاطر هذا الصياد لأنه يريد أن يسمعك فلما سمعت كلام سيدها أخذت العود وغمزته بعد أن فركت أذنه وأنشدت هذين البيتين: وغادة لعبت بالعود أنـمـلـهـا فعادت النفس عند الجس تختلس قد أسمعت بالأغاني من به صمم وقال احسنت مغنى من به خرس ثم إنها ضربت ضرباً غريباً إلى أن أذهلت العقول فقال نور الدين للصياد: هل أعجبتك الجارية وتحريكها الأوتار؟ فقال الخليفة: أي والله فقال نور الدين هي هبة مني إليك هبة كريم لا يرجع في عطائه ثم إن نور الدين نهض قائماً على قدميه وأخذ ملوطة ورماها على الخليفة وهو في صورة الصياد وأمره أن يخرج ويروح بالجارية فنظرت الجارية وقالت: يا سيدي هل أنت رائح بلا وداع إن كان ولا بد فقف حتى أودعك وأنشدت هذين البيتين: لئت غيبتموا عني فإن محلـكـم لفي مهجتي بين الجوانح والحشا وأرجو من الرحمن جمعاً لشملنا وذلك فضل الله يؤتيه من يشـا فلما فرغت من شعرها أجابها نور الدين وهو يقول: ودعتني يوم الفراق وقالـت وهي تبكي من لوعة وفراق ما الذي أنت صانع بعد بعدي قلت قولي هذا لمن هو باقي ثم إن الخليفة لما سمع ذلك صعب عليه التفريق بينهما والتفت إلى الصبي وقال له: يا سيدي نور الدين اشرح لي أمرك، فأخبره نور الدين بحاله من أوله إلى آخره فلما فهم الخليفة هذا الحال قال له: أين تقصد في هذه الساعة؟ قال له: بلاد الله فسيحة فقال له الخليفة: أنا أكتب لك ورقة توصلها إلى السلطان محمد بن سليمان الزيني فإذا قرأها لا يضرك بشيء، وأدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.